نعيش في عالم يزداد تنوّعاً وتباعداً في الوقت نفسه. اختلاف الأفكار، والإيمان، والخلفيات، وحتى الطباع، صار جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية. ومع كل هذا التنوع، يبقى السؤال المسيحي العميق حاضراً:
هل نختار أن نبني جسوراً نلتقي فوقها… أم جدراناً نختبئ خلفها؟
أولاً: الاختلاف حقيقة خلقها الله
الكتاب المقدس يعلّمنا أن الله خلق كل إنسان بشكل فريد: “عَجيبةٌ أَعْمالُكَ. نَفْسي أَنْتَ تَعرِفُها حَقَّ المَعرِفَة ” (مزمور 139. 14).
تنوع البشر هو انعكاس لجمال الله، وليس تهديداً لنا.
لكننا أحياناً نسمح للخوف أو الأحكام المسبقة أن تحول هذا الجمال إلى صراع.
ثانياً: الجدران… حين يكون القلب مغلقاً
الجدار يُبنى حين نقسو أو نتخبّط أو نتسرّع بالحكم.
نُقيم جداراً حين نفضّل أن نحمي أنفسنا بدل أن نفهم الآخر.
الجدران الروحية تظهر عندما:
-نرفض سماع الآخر لأنه “مختلف”
-نتمسّك بصورة نمطية عنه
-نسمح للكبرياء أن تمنعنا من المصالحة
-نغلق القلب بدل أن نفتحه للمحبة
لكن المسيح لم يدعُنا يوماً لبناء جدران، بل جاء ليهدمها.
فبولس الرسول يقول: “فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة” (أفسس 2. 14).
المسيح نفسه هدم الجدار الذي كان يفصل، وفتح لنا درب الوحدة.
ثالثاً: الجسور… لغة الملكوت
الجسر هو خيار المحبة، خيار الانفتاح، خيار من يريد أن يعيش الإنجيل لا بالكلام فقط بل بالفعل أيضاً.
المحبة المسيحية لا تُبنى على التشابه، بل على القدرة أن نرى صورة الله في الإنسان المختلف عنا.
ولهذا قال الرب يسوع: “إِذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَفَ النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي” (يوحنا 13. 35).
الجسر هو لحظة شجاعة:
أن تقترب بدل أن تهرب،
أن تسأل بدل أن تحكم،
أن تفهم بدل أن تتهم.
رابعاً: عندما نبني جسوراً… نبني الملكوت على الأرض
كل كلمة طيبة، كل مصالحة، كل زيارة، كل استماع صبور…
هي حجر في جسر يبني الملكوت.
العلاقات التي تعبر الجسور تصبح أكثر صدقاً ونضجاً.
وفي المجتمع، الجسور بين الناس تصنع عدالة وسلاماً، لأن القلوب المفتوحة لا تخاف من الآخر بل ترحب به.
حتى الكنيسة الأولى لم تكبر إلا حين عرفت كيف تبني جسوراً بين اليهود والأمم، بين الأغنياء والفقراء، وبين مختلف الثقافات.
خامساً: دعوة شخصية لكل واحد منا
الإيمان لا يُقاس فقط بالصلوات والطقوس، بل أيضاً بطريقة بناء علاقاتنا.
قد لا نستطيع تغيير العالم، لكننا نستطيع تغيير الطريقة التي نقترب بها من الناس.
اسأل نفسك أمام الله:
-هل أنا أبني جسراً نحو من يختلف عني؟
-أم أنني أرتاح في ظل جدران صنعتها من كبريائي أو خوفي؟
-هل أسمح لمحبة المسيح أن تعمل فيّ… أم أقاومها بانغلاق قلبي؟
المسيح يدعونا دائماً إلى الجسر:
جسر الغفران،
جسر الحوار،
جسر المحبة التي لا تنتظر مقابلاً.
الخاتمة
في عالم منقسم، المسيحي مدعو أن يكون جسراً حيّاً يحمل روح المسيح إلى العلاقات اليومية.
أن يكون نوراً وسط الظلام، وحضوراً يفتح القلوب بدل أن يغلقها.
الخوراسقف: سعدي خضر/هولندا
السبت 06-12-2025
www.sykakerk.nl