غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، يحتفل بالقداس الإلهي ويمنح السيامة الخوراسقفية للأب سعدي خضر، من كنيسة مار يوحنّا الرسول، أرنهم - هولندا 03-09-2023
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد ٣ أيلول ٢٠٢٣، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي على مذبح كنيسة مار يوحنّا الرسول في أرنهم – هولندا. وخلال القداس، قام غبطته برسامة الأب سعدي خضر، كاهن رعية مار يوحنّا الرسول في هولندا، خوراسقفاً
عاون غبطتَه الخوراسقف رياض البنّا كاهن رعية كولن وإرسالية إيسِّن في ألمانيا، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية. وشارك في القداس والرسامة صاحب السيادة هوخو بووم المطران المساعد لأبرشية أوترخت اللاتينية في هولندا، ممثّلاً رئيس أساقفة الأبرشية ورئيس مجلس أساقفة هولندا نيافة الكردينال وليم آيْك، والآباء الخوارنة والكهنة: الخوراسقف عماد حنّا الشيخ كاهن رعية سان دييغو في الولايات المتّحدة، والخوراسقف صفاء حبش كاهن رعية لانسينغ – ميشيغان في الولايات المتّحدة، والأب بهنام للّو كاهن رعية دهوك – العراق، والأب أمير القس بطرس الدومينيكي، والأب فرنسيس بقطر من كهنة أبرشية الموصل والذي يتابع دراسته اللاهوتية في روما، والأب شمعون شمعون كاهن رعية كنيسة المشرق الآشورية في هولندا.
وخدم القداس شمامسة الرعية بعددهم الكبير والملفت، يتقدّمهم الشمّاس جبرائيل عطالله، وجوق التراتيل، بمشاركة وحضور حشود غفيرة جداً من المؤمنين الذين احتشدوا وملأوا الكنيسة وساحاتها على رحبها، قادمين بفرح لنيل بركة غبطته والمشاركة في هذه المناسبة الروحية المباركة، ومن بينهم عائلة المرتسم الجديد وأهله وعدد من المدعوين من رعية مار يوحنّا وإرسالياتها في هولندا، ومن إيطاليا والسويد وفرنسا وألمانيا والعراق.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب غبطة أبينا البطريرك عن “الفرحة والنعمة العظيمة التي منحَنا إيّاها الرب اليوم، أن نجتمع معاً في هذه الكنيسة كي نحتفل بالقداس ونرقّي الأب العزيز سعدي خضر إلى الدرجة الخوراسقفية. نشكر سيادة المطران المساعد لأبرشية أوترخت على حضوره، وطلبنا منه أن ينقل تحيّاتنا الأخوية إلى نيافة الكردينال رئيس أساقفة أوترخت ورئيس مجلس أساقفة هولندا. ونشكر أعضاء الإكليروس القادمين من بعيد وقريب، والشمامسة الأحبّاء، وبينهم الشباب الذين نفتخر بهم، ونسأل الرب أن يرسل إلى كنيسته دعوات كي تكمل خدمة شعبنا المؤمن هنا في بلاد أوروبا. فنحن نحتاج إلى الدعوات الكهنوتية والرهبانية، ونحتاج إلى شابّات يتقدّمنَ بكلّ محبّة للرب يسوع، ويكرّسنَ ذواتهنَّ للحياة الرهبانية وخدمة الكنيسة والشهادة للرب يسوع ومحبّته”.
ولفت غبطته إلى أنّنا “سمعنا من رسالتَي القديس بولس إلى تيموثاوس وتيطس بعض الفقرات، ابتدأت بهذه العبارة: أنتَ الذي قبلتَ نعمة الخدمة للكنيسة، عليكَ أن تعرف التزاماتها والتضحيات والتفاني، من دون أيّ منّة، لأنّك دُعيتَ إلى الخدمة. هذا ما يقوله مار بولس، ويردّد ذلك كثيراً في رسائله، فالدعوة الكهنوتية والرهبانية هي للخدمة. واستمعنا إلى الإنجيل المقدس من يوحنّا، وهو الرسول شفيع كنيستكم الجميلة هذه، يذكّرنا بقول الرب يسوع: إن كنتم أحبّائي، عليكم أن تحفظوا وصاياي. إذاً، ولو أنّ كلمة الحبّ والمحبّة منتشرة كثيراً اليوم، أكان في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث كثيرون ينشدون هذا الحبّ، الحبّ البشري، وهو جميل جداً، لكن يجب أن يُترجَم الحبّ لدى المسيحي بأفعال تضحية وتفانٍ، وعدم الاكتفاء بالشعارات والكلمات المعسولة فقط، وأنتم تعرفون التحدّيات التي تجابه عائلاتنا اليوم”.
وتناول غبطته أهمّية العائلة، شاكراً “الله عندما نعاين الأزواج وهم يعيشون معاً ويترافقون، وهذا للأسف لا نراه في حياة الشباب اليوم، ولا في الإعلام والإعلانات، حيث يتمّ التركيز على حرّية التصرّف والارتباط وترك موضوع الزواج إلى المستقبل. فأين الوعود التي قطعها آباؤكم وأمّهاتكم ووعدوها أمام مذبح الرب، أن يكونوا حقيقةً أمناء لدعوة الزواج ولبعضهم البعض مدى الحياة. بالطبع الحياة ليست سهلة، هناك مشاكل وصعوبات وتحدّيات كثيرة، لا سيّما في هذه البلاد الغربية الجميلة والخضراء والتي توفّر لنا الحقوق المدنية، لكن، وللأسف الشديد، هذه البلاد التي كانت مؤسَّسة على الإيمان المسيحي، بالرغم من كلّ الأخطاء التي حدثت في التاريخ، تتّجه اليوم نحو علمنة مخيفة، نحو الحبّ البشري والحياة المتوازية مع الأرض فقط، دون التطلُّع إلى فوق، إلى السماء لطلب المعونة من الرب، كي يكملوا حياتهم ويكونوا أمناء لعائلاتهم وأولادهم وصغارهم وشبابهم”.
وشدّد غبطته على أنّنا “لن نتشكّى ولن نبكي، بل نشكر الله لأنّكم موجودون في هذا البلد، هولندا، والبعض منكم أتوا من ألمانيا والسويد وفرنسا، نشكر الله لأنّكم تعيشون حياةً مطمئنّة، ولو أنّه ليس هناك بلد لا وجود لمشاكل فيه. اليوم نسمع ببعض المشاكل في كركوك – العراق، وفي شمال شرق وفي جنوب سوريا، وكذلك في لبنان أيضاً، لكنّ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في العراق، واللذين قمنا بزيارتهما منذ أسبوعين، أكّدا لنا على أهمّية الثقة بأنّ المسيحيين في العراق ليسوا مستهدَفين. قد تحدث قلاقل ومشاكل، لكنّ هذا الأمر يحصل بين كلّ فئات الشعب العراقي، فيما الحكومة والمسؤولون يؤكّدون بصراحة رغبتهم ببقاء المسيحيين في أرضهم، أرض آبائهم وأجدادهم”.
ونوّه غبطته إلى أنّ “الله يعرف كيف يرافق كلّ عائلة تسعى كي تكمل أهدافها وطموحاتها في الحياة، لكن يجب أن نكون عقلانيين كثيراً، وألا نفكر في الانفعالات والعواطف، فالمسيحيون اليوم يعيشون باستقرار نسبي، أكان في العراق أو في سوريا ولبنان، رغم كلّ الصعوبات. وهنا نذكّركم ونطلب منكم أن تصلّوا بحرارة كي نستطيع أن نتمّم اجتماع السينودس أي المجمع المقدس لأساقفة كنيستنا السريانية الكاثوليكية، والذي سيُعقَد للمرّة الأولى منذ أكثر من ١٢٠ سنة خارج لبنان، وسيكون ذلك في قره قوش – العراق. وعلى هذا الأمر أن يجعلنا نفتخر بكنيستنا وبالخدّام الذين يخدمونها، أكانوا أساقفة أو كهنة يريدون خيرنا، ويريدون أن تتقدّم كنيستنا بكلّ الفضائل، وبكلّ ما نحتاجه من نِعَم. وهذا السينودس الذي سيُعقَد بإذن الرب في الأسبوع القادم، بدءاً من الأحد حتّى الجمعة، أي من ١٠ حتّى ١٥ أيلول، هو اجتماع هامّ جداً، وهو نوعاً ما نقطة تاريخية في كنيستنا السريانية الكاثوليكية، لذا فصلواتكم ضرورية ومهمّة جداً”.
ووجّه غبطته “الشكر لجميع الذين قَدِموا من بعيد وقريب، ونشكر خاصّةً أبونا سعدي الذي خلق من هذه الرعية والإرساليات التابعة لها كنيسةً جديدةً بانفتاحه على الجميع، وبزياراته الراعوية للعائلات، وبتعاوُنه مع أعضاء مجلس الرعية الذين يتفانون أيضاً كي تزدهر هذه الرعية وإرسالياتها. ولا تنسوا: خدمة كاهن واحد في هولندا لرعية مع سبع إرساليات ليست بالمهمّة السهلة أبداً، بل تحتاج نعمة كبيرة من الرب يسوع الذي قال لبولس: تكفيك نعمتي. وبمعونة ومؤازرة هذه النعمة، يستطيع أن يجد الدعم الروحي والمادّي من قِبَل أبناء وبنات الرعية والإرساليات، كي يتابع خدمته بكلّ تفانٍ، ويقدّم للرب التعب والهموم، ويجعل منها تضحياتٍ ونِعَماً لكم جميعاً”.
ونقل غبطته “أجمل التحيّات والتبريكات بمناسبة هذه الرسامة الخوراسقفية من أصحاب السيادة أساقفة كنيستنا السريانية في العراق الحبيب، بمن فيهم بشكل خاصّ صاحب السيادة المطران مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، هذه الأبرشية التي كان أبونا الخوراسقف الجديد سعدي منتمياً إليها”.
وختم غبطته موعظته طالباً من جميع الحاضرين أن يصلّوا من أجل أبونا سعدي، ومن أجل جميع الآباء الكهنة الذين يخدمون في الرعايا، كي يكونوا مثالاً للخدمة الصالحة، كما سمعنا من مار بولس. فعندما يكون الكاهن حقيقةً رسول المسيح، يلتفّ المؤمنون حوله، وتتقدّم الرعية وتزدهر رغم كلّ التحدّيات والصعوبات. نضرع إلى الرب يسوع، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة وشفيعة كنيستنا السريانية بشكل خاصّ، وشفيع هذه الكنيسة مار يوحنّا الحبيب، كي يبارككم الرب، ويجعل من حياتكم وأتعابكم وهمومكم نِعَماً لخيركم وخير عائلاتكم وأولادكم، بقوّته ورعايته، هو الإله القدوس”.
وقبل المناولة، ترأّس غبطة أبينا البطريرك رتبة الرسامة الخوراسقفية، رقّى خلالها الأب سعدي خضر إلى درجة الخوراسقف، وألبسه الصليب المقدس والخاتم، وسلّمه العكّاز الأبوي، فبارك به المؤمنين، وسط التصفيق الحادّ والزغاريد.
وقبل نهاية القداس، ألقى الخوراسقف الجديد سعدي خضر كلمة شكر بهذه المناسبة، قال فيها:
“قلبي مملوء بالمشاعر والإنشراح، وعيناي مملوءتان دموع الفرح بوجود وجوه كثيرة حاضرة أمامي سبق وأن التقيتُ بها خلال خدمتي الكهنوتية، وها أنا أراها اليوم من جديد في هذه الكنيسة الرائعة. كُلّي شكر ودهشة لأنّ الله الآب الصالح والرحيم، ينحني بعنايته من علوّ سُمُوِّه وسمائه على شخصي ليغمرني بهبة مجّانية إضافية، ألا وهي نعمة الرتبة الخوراسقفية. كلمة شكر أوجّهها لمجموعات لا حصر لها من الأشخاص الطيّبين والمحبّين الذين كانوا لي سنداً، ودعموني لأصل إلى هذا اليوم، متمنّياً لو كان بالإمكان ذكر أسماء جميعهم، لأنّ الشكر حاجة القلب امتناناً لهم”.
وتابع: “دائماً أولاً وأخيراً الشكر لله، أشكره على التعاليم التي تلقّيتها وتلقّنتها بادئ ذي بدء من والديَّ العزيزين، الغائبين الحاضرين، صلواتي للربّ وبشفاعة الأمّ القدّيسة مريم من أجلهما، ومن أجل جميع إخوتي وأخواتي، إذ منهم ومعهم تعلّمتُ فرح العمل اليومي ومشقّة الدنيا، والايمان المثمر بالعمل الصالح، وطعم الحياة البسيطة، الكرم والعطاء، الخدمة بفرح، والمحبّة تجاه الإخوة والأخوات وكافّة المحيطين. أشكر الله على دعم رؤسائي الروحيين وإخوتي الكهنة، فهم جميعهم بمثالهم الصالح قدوة لي”.
وأردف قائلاً: “أشكر الله على الإحسان والرعاية الأبوية تجاهي من لدن غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلّي الطوبى، بترقيتي إلى الدرجة الخوراسقفية. وأقول لغبطته بكلّ ثقة وامتنان، بأن هذه الرسامة الخوراسقفية تعني لي تطلّعكم الأبوي لأجل استمرار ثباتي في رسالة كهنوتية أكثر تفانٍ في خدمة كنيستنا المقدّسة، شهادةً للمسيح. أشكر الله أيضاً على الثقة التي منحني إيّاها غبطة أبينا البطريرك، له كلّ التقدير، ولا سيّما على ثقة غبطته بي منذ تعييني كاهناً لهذه الرعية المباركة، رعية مار يوحنّا الرسول في هولندا، أدامه الرب بالصحّة والعافية”.
وشكر حضور الأسقف هوخو بووم ممثّل الكاردينال آيك، وكذلك الآباء الخوارنة والكهنة كلاً باسمه، والشمامسة، وأعضاء الجوق، وجميع المؤمنين “على صداقتكم ومودّتكم لي، وعلى مؤازرتكم ونشاطاتكم التي أبديتموها، ودعمكم المثمر والإيجابي، وهذا دليل محبّتكم، وكذلك على صلواتكم إلى الربّ من أجلي. وأشكر الربّ على الإخوة الأعزّاء القادمين من إيطاليا والسويد وفرنسا وألمانيا والعراق، مشاركتكم فرحتي هذه علامة لمحبّتكم وتقديركم. وأشكر الربّ على حضور الإخوة من مختلف الكنائس، والذين أبدو قربهم الأخوي بحضورهم. أشكر الله على الأشخاص الكثيرين الذين التزموا، بسخاءٍ وتفانٍ وتضحية، بالتحضير لهذا اليوم: كلّ امتناني لكم. أحيّي بمودّة خالصة جميع المشاركين الحاضرين معنا في هذه الكنيسة. وأرفع صلواتي إلى الرب بفكرٍ حنون من أجل المرضى والذين يعانون من مواقف صعبة، وأسأله أن يبارككم جميعاً”.
وتوجّه “إلى أبناء رعية مار يوحنّا الرسول الأحبّاء: أشكر الرب على هديّتكم لي (الصليب والخاتم)، كما أهداني غبطته الصليب. فالصليب هو لتذكيري بأن أحمل صليبي في كافّة الظروف والأحوال وأتبع معلّمي يسوع، والخاتم لأجل تجديد ثقتي وإيماني بمن وثق بي وأعطاني هذه المهمّة المباركة، فأشكركم من كلّ قلبي، وأشكر غبطته”.
وختم بالقول: “أيّها الآب الصالح، الذي أعطى الروح القدس لرسله القديّسين، المجتمعين في العلّية مع مريم أمّ يسوع، امنحني أنا أيضاً أن أكون مكرَّساً بالكامل لخدمتك، وأعلن بالكلمة والمثال الصالح الأعمالَ العظيمةَ التي تشهد لمحبّتك”.
وبعدما منح غبطته المؤمنين البركة الختامية، خرج غبطته بزيّاح حبري، وتوجّه إلى قاعة الكنيسة التي غصّت بالمؤمنين الذين نالوا بركة غبطته، وقدّموا التهاني للخوراسقف الجديد، في جوّ من الفرح الروحي العابق ببهجة لقاء الأبناء بأبيهم الروحي العام. ألف مبروك.
Arnhem