sykakerk.nl


قيمة الأشخاص وقيمة المال والعلاقة بينهما


المقدمة
يُعَدّ الإنسان والمال عنصرين أساسيين في مسيرة الحياة. فالإنسان هو صورة الله ومثاله (تكوين 1. 27)، أما المال فهو وديعة أُعطيت له ليعيش بكرامة ويخدم غيره. غير أنّ العلاقة بينهما تثير إشكالية عميقة: هل تُقاس قيمة الإنسان بما يملك من مال، أم أنّ المال يكتسب قيمته من الإنسان الذي يستخدمه بروح الحكمة والمحبة؟ هذا التساؤل يدفعنا إلى التأمل في جوهر قيمة الأشخاص وقيمة المال في ضوء المنظور المسيحي، بغية استخلاص العلاقة السليمة بينهما.
الإشكالية
كيف تتحدد قيمة الأشخاص وقيمة المال في ضوء التعليم المسيحي، وما طبيعة العلاقة التي تربط بينهما في حياة الفرد والمجتمع؟
المحور الأول: قيمة الأشخاص
يبين الكتاب المقدّس أنّ قيمة الإنسان مستمدة من كونه خليقة الله المحبوبة.
-البعد اللاهوتي: الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله (تكوين 1. 27)، وهذه الحقيقة تمنحه كرامة ثابتة لا يمكن شراؤها أو قياسها بالماديات.
-البعد الأخلاقي: يعلّم المسيح قائلاً: “من ثِمارِهم تَعرِفونَهم” (متى 7. 16)، أي أنّ قيمة الإنسان تُقاس بأعماله، وبصدق محبته، وباستعداده لخدمة الآخرين.
-البعد الإنجيلي: أعطى يسوع الأولوية للإنسان فوق المال، إذ قال: “ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحْيا الإِنْسان” (متى 4. 4).
المحور الثاني: قيمة المال
المال في ذاته ليس شرًّا، لكنّه يصبح خطرًا إذا تحوّل إلى غاية بحدّ ذاته.
-البعد الاقتصادي: المال ضروري لتأمين احتياجات العائلة والمجتمع، وهو عطية يمكن أن تُثمر خيراً إذا أُحسن استخدامها.
-البعد الأخلاقي: يحذّر بولس الرسول قائلاً: “محبة المال أصل لكل الشرور” (1 تيموثاوس 6. 10). فالمشكلة لا تكمن في المال نفسه، بل في تعلّق القلب به.
-البعد الإنجيلي: شدّد يسوع على أنّه لا يمكن للإنسان أن يخدم سيدين، فقال: “لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (متى 6. 24).
المحور الثالث: العلاقة بين قيمة الأشخاص وقيمة المال
تتحقق العلاقة الصحيحة بين الإنسان والمال عندما يوضع المال في خدمة الكرامة الإنسانية.
-المال في خدمة الإنسان: مدح يسوع الأرملة الفقيرة التي وضعت فلسين في الهيكل (مرقس 12. 42-44)، لأنّ قيمتها كانت في محبتها وعطائها، لا في كمية المال التي قدّمتها.
-الإنسان فوق المال: اهتم المسيح بالمرضى والجياع، مُظهراً أن قيمة الإنسان تتقدم على الممتلكات المادية.
-التوازن المسيحي: المال وسيلة لبناء جسور المحبة ولمساعدة الفقراء وخدمة الملكوت، غير أنّ الإنسان يبقى الغاية الأسمى لأنه ابن الله.
الخاتمة
من منظور مسيحي، تتجاوز قيمة الأشخاص قيمة المال، لأنّ الإنسان محبوب من الله وكرامته لا تُشترى. المال ضروري لاستمرار الحياة، لكنّه يبقى وسيلة لا غاية. وحين يوضع المال في خدمة الإنسان يصبح بركة، أما إذا استُعبد الإنسان له، يتحوّل إلى لعنة. لذلك، التحدي المسيحي هو أن يعيش المؤمن حرّاً من سلطان المال، ويستخدمه بمحبة وحكمة في خدمة الآخرين، محققاً وصية المسيح: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض… بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء” (متى 6. 19-20).

الخوراسقف: سعدي خضر/هولندا 27-09-2025