
مقدمة
في حياتنا اليومية نبحث عن علامات صغيرة تمنحنا شعوراً بالتميّز: صورة مع صديق عزيز، إنجاز في العمل، أو حتى لحظة دافئة مع العائلة. غير أنّ موازين ما نعتبره “إنجازاً” تغيّرت في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت المصافحة مع أحد السياسيين أو المشاهير تُعدّ حدثاً استثنائياً، ينشرها البعض على صفحاتهم وكأنها انتصار شخصي أو دليل على مكانة اجتماعية رفيعة.
هذه الظاهرة تكشف عن جانب مهم من حياتنا المعاصرة: كيف أصبحنا نطارد “الرمزية السريعة”، ونبحث عن اعتراف خارجي، بدل أن نستمد قيمتنا من إنجازات حقيقية أو علاقات صادقة. لكن خلف هذه المصافحة العابرة تختبئ إشكاليات أعمق مما قد نتصور.
خطر التوظيف السياسي
الصورة مع سياسي ليست مجرد ذكرى شخصية، بل قد تتحول إلى أداة بيد الإعلام أو الحملات الانتخابية. إذ يمكن أن تُستخدم للإيحاء بأن صاحبها مؤيد لهذا التوجه أو داعم لذلك المشروع، حتى وإن لم يكن كذلك في الواقع. وهنا يجد الفرد نفسه عالقاً في موقف حرج، إذ قد يُحسب على جهة لا يشاركها أفكارها أو قناعاتها. وفي مجتمعاتنا، حيث الانقسامات السياسية حاضرة بقوة، قد تُثير مثل هذه الصور جدلاً واسعاً أو تُسيء إلى صورة الشخص أكثر مما تنفعه.
إضعاف قيمة الرموز
المصافحة في جوهرها فعل احترام وتقدير متبادل، أو ثمرة حوار حقيقي يعبّر عن علاقة ذات معنى. غير أنّها حين تُختزل إلى مجرد صورة تُعرض للتفاخر على المنصات الرقمية، فإنها تفقد قيمتها. فالشخصيات العامة والرموز الكبيرة تتحول في هذه الحالة إلى مجرد خلفية لالتقاط صورة عابرة. وهنا تكمن الخطورة: فإذا صار في مقدور أي شخص أن يقتنص مثل هذه اللحظة بسهولة، خفتت القيمة الرمزية للمصافحة نفسها، وتحوّلت من علامة على الاحترام المتبادل إلى وسيلة للظهور والسطحية.
خاتمة
المصافحة مع شخصية مؤثرة ليست في ذاتها خطأ، بل قد تكون لحظة مميزة تحمل قيمة إنسانية ورمزية. لكن الإشكال يبدأ حين تتحول إلى مادة للتفاخر الفارغ أو وسيلة للترويج السياسي. إن قيمتنا الحقيقية لا تُقاس بلقطة عابرة مع شخص مشهور، بل بما نتركه من أثر في محيطنا، وما نحمله من مواقف ومبادئ. فالحياة الصادقة تُبنى على عمق التجربة وصدق العلاقات، لا على سرعة الصورة ولمعانها.
الخوراسقف: سعدي خضر/هولندا
السبت 30-08-2025